الاثنين، 29 أبريل 2013

الأخوان المسلمون العرب وأوجه الخلاف بينهم


بقلم : د. رشيد بن محمد الطوخي
لا شك أن الربيع العربي الذي حقق هدفه في بعض الدول العربية ولا يزال يسعى في بعضها الآخر قد صعد من نجم الاخوان المسلمين كحركة شعبية لعبت دورا هاما في تلك الدول وخاصة في مصر حيث استطاعت جماعة الاخوان المسلمين الوصول إلى منصب الرئاسة في لعبة سياسية شعبية شائكة ضبطت حلقاتها بإحكام مع كل ما واجهته من تحديات داخلية وخارجية .. ولا شك أيضا أن التعطش الشعبي للدين والرجوع للعقيدة والتيار الإسلامي لعب دورا هاما ورئيسيا في وصول تلك الجماعة إلى سدة الحكم خاصة مع ما كانت شعوب المنطقة تجده من معاناة واضطهاد على يد الحكومات والأجهزة الأمنية السابقة إلا أن المراقب لتسلسل الأحداث يجد أن الأهواء الشعبية والعواطف الإسلامية العامة ستجد صعوبة في فهم الواقع السياسي المعقد فليس بالضرورة إذا وصل رجل إسلامي إلى سدة الحكم أنه يستطيع أسلمة كل شيء وتغيير أسس وقوانين أقيمت عليها الدولة منذ عشرات السنين كما أن التحالفات الدولية والاتفاقيات الرسمية لا تسمح بالتغيير الجذري مطلقا وسوف يجد الرئيس نفسه أمام مفترق طريق ، إما العواصف العاتية أو السير مع التيار ، وفي كلتا الحالتين سيخسر الدعم الشعبي أو ما يسمى بعامة الناس الذين يطلبون منه المستحيل ويراقبونه ولا يمنحون في أحسن الأحوال فرصا كافية لتحقيق أي هدف وهو ما حدث في تونس "النهضة" وما بدأت بوادره تظهر في مصر "الإخوان" وهو نفس السبب الذي تتأخر الدول الغربية لأجله بتقديم الدعم لثوار سورية فهم يخافون من صعود نجم الاخوان ووصولهم إلى سدة الحكم في سورية ايضا ، إلا أن المهتمين بالشؤون المصرية يرون أيضا أن ما يقال عن أسلمة القوانين أو حتى أسلمة المناصب في مصر بعيد المنال من جهة وغير مطروح أصلا على طاولة التغيير والإصلاح وما شابه من جهة أخرى ، بل على العكس تماما هم يرون أن مصر الآن لا يحكمها الإسلاميون بالمعنى الصحيح فهاهي جميع المطالب التي كان الشعب يطالب بها لم تتحقق وكل ما في الأمر ان مبارك تنازل عن الرئاسة تحت ضغط شعبي ليصعد مرسي لهذا المنصب وإن اختلفت الطرق. فمثلا لم يتم قطع العلاقات مع إسرائيل ، ولم يفتح بعد معبر رفح بالمعنى المطلوب وعلى عهد مبارك كانت الانفاق تغلق والآن الانفاق مع غزة تنسف . أيضا رسائل مرسي مع الكيان الصهيوني والتي أحدثت ضجة ورد فعل شعبي كبير ، والعلاقة مع امريكا التي لم تتغير ، ولم يطرد السفير السوري من القاهرة بمعنى إغلاق السفارة السورية وكما أنه ليس هناك اعتراف رسمي لا بالجيش الحر ولا بالمجلس الوطني ولا بكل أطياف المعارضة السورية. ثم إن العلاقات مع إيران تحسنت بشكل ملحوظ ومنذ اليوم الأول لفوزه بالرئاسة طمأن مرسي إيران على العلاقة المستقبلية ، وبعد استلامه بأيام افتتحت أول حسينية بمصر ! ومن ثم أيضا الحملات الأمنية على التيارات الإسلامية مع اختلاف التسمية من تيارات متشددة إلى خلية نصر وغيرها . ولهذا فإن الغرب مطمأن تماما لنظام الحكم في مصر ويرى أنه لا يختلف كثيرا عن سابقه إلا بالشكل والأسلوب فالرئيس مرسي يستطيع أن يحضر الصلوات في المسجد وأن يخطب في حلقات شعبية وأن يتقرب إلى الجماهير بأسلوب شعبي وليس رسمي وهذا ما لا يجيده مبارك ، وخلال أشهر قليلة وهي عمر حكم الرئيس مرسي بكى أكثر من 3 مرات كما رصدته الكاميرات الرسمية وأيضا بكى في مكة من الخشوع وهذا هو ما يريده الناس .. رئيسا شعبيا بعيدا عن الرسميات والتعقيدات ولكن هذا الذي يحبه الشعب يريدونه إلى جانب خطوات عملية يطلبونها ولم تحصل ، أذكر أنه في بداية تسلمه لمنصبه قال أنا لا حراسة لدي وفتح جاكيته ليرى الناس أنه لا يلبس واقي رصاص وأن كل الذين كانوا حوله لا يتعدون 4 أشخاص ولكنه قبل أسبوعين عندما ذهب إلى أسيوط كانت ترافقه فرقة حراسة قوامها 600 عنصر وهم مكلفون بحمايته فقط عدا عن أمن أسيوط وشرطتها المختلفة هذا مانشرته وقتها وسائل الاعلام المصرية  . إذن بدأت الأمور في مصر تأخذ منحنى آخر غير الذي قامت من أجله الثورة ، طبعا عدا عن مشكلة النائب العام الذي بقي في منصبه رغم المطالب الشعبية بإقالته ، وأيضا الحملات الأمنية ضد الإسلاميين والتي اتسمت بالشدة وخطاب الرئيس مرسي في اسيوط والذي كان يحتوي على عبارات تهديد ووعيد . هذا على الصعيد المصري أما في تونس فها نحن نرى كيف أن التصادم بين السلفيين والشرطة يوقع القتلى والجرحى رغم أن حزب النهضة هو الحاكم الفعلي لتونس ومع ذلك سالت الدماء الآن بينهما ووحده الله سبحانه وتعالى الذي يعلم ما تخبئه الأيام القادمة لتونس . وفي اليمن لم تسفر قيادة الإصلاح لأحزاب المشترك وكذلك للاعتصامات بأنواعها وللمعارضة المختلفة إلا عن مزيد من الانشقاقات وعدم الاستقرار فها نحن نرى بعد صالح أن اليد الطولى الآن في اليمن ليست لمن قاموا بالثورة بل للحوثيين في بعض المناطق وللذين يسعون للانفصال في مناطق أخرى وللقاعدة أيضا التي تفتعل الأحداث في عدة مدن ولغيرها ولم نرى للإصلاح أي برنامج إصلاحي مما كانوا ينادون به ليل نهار .. فأين الخلل إذن في عمليات التحول العربي ؟ المواطن الذي استرخص روحه ودمه ودماء أهله لنيل الحرية في هذه الدول لم يكن يعلم أن من يقوم بالثورة أناس ومن يقطف ثمارها أناس آخرون ، وأن ركوب الموجات المختلفة سواء كانت حزبية أو اجتماعية أو دينية إنما هو ضياع للأرواح التي أزهقت لأن المقصود بالتغيير هو التغيير الشامل نحو الأفضل وليس التغير السلبي ، فنحن نرى الآن أن التيار الذي ينادي بعودة مبارك أو على الاقل يعدد مزاياه وحسناته يزداد يوما بعد يوم وتختلف أساليبهم فلماذا ؟ وفي تونس الآن كثيرون يقولون ان عهد زين العابدين أفضل من الآن ، وأما اليمن فلا شك أن فئة كبيرة من الناس لا تزال ترى في صالح رئيسا لها وكأن شيئا لم يكن ، ولهذا فالأمر يستدعي الدراسة والتأمل والتفكير مليا فيما بدأت به الثورات وفيما وصلت إليه ، ومن السبب في وصول تلك الثورات ونتائجها إلى هذا الحال وهل حقا هم الأخوان المسلمون ؟ وهنا أقول : لا شك أن الأخوان المسلمون ليسوا قيادة واحدة في كل الدول حتى وإن تشابهت أسماءهم وأفكارهم وإنما هم أحزاب مختلفة وقد تكرس هذا الاختلاف منذ أن احتل صدام حسين الكويت حيث ظهر هذا الانقسام والاختلاف إلى العلن وانفصلت قيادة الاخوان في الكويت وباقي دول الخليج عن القيادة المصرية ، ولا شك أيضا أن التحديات التي تواجه الاخوان في العديد من الدول العربية ليست متساوية ، ففي الوقت الذي كان أعضاء الأخوان في سورية يواجهون الإعدام لمجرد الانتساب للاخوان كان اخوان مصر لهم الحرية المطلقة في الساحة السياسية المصرية . نعم ففي عهد مبارك لم يكن الاخوان المسلمون محظورون عمليا من العمل السياسي وكان لهم حضور شعبي ورسمي ولكن كان لنشاطهم حد وسقف إلا أنهم موجودون ومقراتهم معلومة ولهم اتصال مع أجهزة الدولة كجماعة كبيرة وفعالة على أرض الواقع ، وفي اليمن كان حضورهم في عهد الصالح قوي ومشارك أحيانا في صنع القرار ولهم اليد الطولى في كثير من الأوقات وما انضوائهم تحت المشترك إلا لأنهم لم يحصلوا على كل ما يريدون بل على أغلب ما يريدون ، وهنا الفارق بين الأخوان كتنظيم مصري أو يمني وبين الأخوان المسلمين السوريين .. ففي الوقت الذي كانت فيه المشانق تنصب للأخوان في سورية والمعتقلات لم تعد تتسع والمجازر في كل المدن سرا وعلانية ؛ كانت قيادات الأخوان المسلمين من الدول الأخرى كمصر واليمن وغيرها مرحب بها وعلى علاقات جيدة بالنظام السوري والإيراني ، وكم من تصريح للاخوان المسلمين في مصر يؤيدون فيه إيران وحزب الله ؟ بل كم مسيرات شعبية ومهرجانات وخطابات رفعوا فيها أعلام حزب الله واعتبروا أنه لا فرق بين سني وشيعي في العمل الإسلامي ؟ وهذا الكلام يشمل أيضا أخوان فلسطين "حماس" وإن كانت لهم ظروف تختلف عن غيرهم بحكم عدم الاستقرار واحتلال الأرض وحربهم مع عدو تاريخي للأمة . ونستطيع القول أن قيادة الاخوان المسلمين في سورية لا تتشابه مطلقا مع مصر أو اليمن أو حتى تونس وإن اجتمعت وتشابهت في العواطف والاتجاهات والسبب الرئيسي لذلك هو تقارب الآخرين مع النظام السوري في السابق ، والتي قادت هذا التقارب تدريجيا هي إيران بحكم العلاقة المميزة مع سورية ، فكيف يجتمع النقيضان؟ وأيضا حتى الآن لا نرى بيانا واضحا من الاخوان المسلمين في مصر يندد بإيران أو بالممارسات الإيرانية في سورية أو يندد بحزب الله وأعماله أو حتى يوضح للناس الحقائق فلماذا ؟ أليسوا الآن على قمة السلطة بمصر؟ ما الذي تغير في مصر وخاصة في مطالب الثورة الأساسية التي أوصلتهم الى سدة الحكم ؟ ماذا فعلوا؟ وما الذي تغير في حياة المواطن المصري؟ حتى الآن لا نرى إلا وعودا مع مهرجانات خطابية ودموع أثناء الصلاة وتجييش للعواطف الإسلامية ، وأما خطوات على أرض الواقع فلا يوجد "حاليا على الأقل" ، وما كان يحصل في السابق يجري الآن وعلى أضعاف ما كان في عهد مبارك .. الاعتقال والملاحقة وقوائم الممنوعين وقوائم المطلوبين والحظر والمصادرة والاتهام والخلايا النائمة والتي قد استيقظت وخلية سيناء وخلية نصر ومحاولة انقلاب وزعزعة أمن .. وكل هذه الاسطوانة كانت في العهد السابق وهاهي تعود من جديد فأين التغيير ؟ أما في سورية فالأمر يختلف تماما سواء كانت قيادة الثورة للاخوان أو لغيرهم لأن ما يواجهه الشعب هناك هو إبادة حقيقية واضحة للعيان وقتلى بالمئات يوميا وخطر التقسيم ومؤامرة كبرى ضد الشعب لأن لسورية وضع خاص وإلا لماذا جن جنون موسكو وبكين على سورية ولم نشهد هذا الجنون عندهم في ليبيا أو تونس أو اليمن أو حتى مصر ؟ ولماذا تصمت امريكا والغرب على ما يجري وهي في العادة تريد اي سبب للتدخل في دول المنطقة فلماذا لم تتدخل في سورية؟ هل فعلا تحتاج إلى قرار أممي أم أن ما يقوم به بشار وجنده يفوق عشرات المرات ما كانت أمريكا تنوي فعله في سورية ؟ الاخوان المسلمون في سورية مصدومون من مواقف نظرائهم في مصر ولكنهم كانوا يتوقعونه حسب قراءتهم للمعطيات السابقة وهم كغيرهم من الاحزاب السورية لا يراهنون إلا على الشعب لأن هذا الشعب هو الذي يصنع الحرية الآن بدمه وروحه ولعل أجمل كلمة قرأتها منذ أيام هي أن من يحكم سورية هو من يحررها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.